بولس ومحمد حكاية صداقة لا يفرّقها إلا الموت: «عندما أجرّ محمد بالكرسي النقّال يتعجّب أهل البلدة كيف لأعمى أن يجرّ مُقعداً.. قد منحته لي الحياة ليكون لي سنداً كما أنا سند له»

تحت عنوان “أعمى يجرّ مقعداً… بولس ومحمد جمعتهما الصداقة والمصيبة” كتب مايز عبيد في نداء الوطن

بين محمد العبد الله وبولس الأحمر من بلدة حرار في جرد عكار حكاية صداقة أرادها الله، فلا يفرّقها إلا الموت، لأنّ كل الظروف لم تفرّق بين الإثنين، بحسب ما يؤكدان. إنها قصة تعبّر أجمل تعبير عن رسالة العيش المشترك التي طالما تميّزت بها عكار بقراها وبلداتها، وتعيشه بلدة حرار بأبهى صوره.

محمد وبولس متقاربان في السنّ، فمحمد (أبو عزام) في عمر الـ 70، وبولس أصغر بقليل، وهما كانا صديقين منذ الصغر، بحسب ما يرويان، وكما يعرّف عنهما أبناء بلدتهما حرار، وكلّ من يعرفهما. عاشا وترعرعا في حرار، وجمعتهما الصداقة منذ الطفولة، وعندما وقعت الحرب الأهلية وهُجّر أهل بولس إلى بيروت لحق به محمد، لأنه غير قادر على فراق أعزّ أصدقائه. مرّت السنوات وشاءت الظروف أن يُصاب بولس بالعمى بعد تعرّضه لحادثة في أواخر الثمانينات، فاحترق وجهه، بينما صار محمد هو الآخر مقعداً بعد تعرضّه لحادث في بداية التسعينات.

لقد جمعتهما المصيبة مجدّداً، فكتبت فصلاً جديداً من فصول الصداقة المستمرة بينهما، والتي توطدت أكثر فأكثر، وها هما يمضيان أوقاتهما يتنقّلان من بيت الى بيت، وعندما يذهب بولس إلى جبيل يلحق به محمد لأنّ العيش من دونه ومساعدته ليس بالأمر السهل.

وفي حرار، عندما يجتمع بولس ومحمد في الديوان يأتي الأصدقاء من أهل البلدة للتسامر معهما، وإذا ما أراد محمد أن يتجول داخل المنزل أو أن يذهب الى الخارج، يدفع بولس بكرسي محمد النقّال في طرقات البلدة وبين أحيائها قبل أن يعود به إلى المنزل، وكأنّ هذا الأعمى يحفظ الطرقات عن ظهر قلب.

ويقول بولس: «عندما أجرّ محمد بالكرسي النقّال يتعجّب أهل البلدة كيف لأعمى أن يجرّ مُقعداً ويعرضون علينا المساعدة، لكنني أرفض لأنني عندما كنت أرى كنت أعرف كل التفاصيل في البلدة وما زلت أحفظها وأنا أعمى، ولم يتغيّر علي شيء. محمد رفيق عمري ودربي وقد منحته لي الحياة ليكون لي سنداً كما أنا سند له، وأدعو أهلي في حرار للبقاء على هذه الروحية في التعايش الإسلامي المسيحي، وأن يبقى الجميع يحب بعضهم بعضاً كل الأوقات، وأن تبقى حكاية محمد وبولس حكاية ملهمة للجميع في المحبة والتعاون والعطاء».

اما محمد فيؤكد أنّ لديه كامل الثقة بصديقه بولس ولا يخاف أبداً عندما يجرّ كرسيّه، بل يشعر بالأمان، فهو على الرغم من أنه أعمى إلا أنه يرى بقلبه كل شيء، «وأحياناً يدلني الى الطرقات ويشير الي بأننا وصلنا إلى مكان ما ويكون توقّعه صحيحاً مئة في المئة». ويضيف «تربّينا في بلدة حرار منذ الصغر، المسيحي إلى جانب المسلم، لا نعرف التفرقة، وما زلنا إلى اليوم وبعدما أصبحنا كباراً بالسنّ نعيش الأخوّة في ما بيننا، وأتمنى أن تبقى هذه المحبة سائدة بيننا في كل البلدات مدى العمر».